الحديث
الحادي والعشرون
عَن
أبي عمرٍو وَقِيلَ:
أَبي
عَمْرةَ سُفيانَ بنِ عَبْدِ اللهِ رَضِي
اللهُ عَنْهُ قالَ قُلْتُ:
( يَا
رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإسلامِ
قَوْلاً لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا
غَيْرَكَ.
قالَ:
{ قُلْ:
آمَنْتُ
بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ }). رواه
مسلِمٌ.
المفردات:
قل
لي في الإسلام: في
دينه وشريعته.
قولا:
جامعا لمعاني الدين ، واضحا في نفسه ، اكتفى به واعمل عليه.
جامعا لمعاني الدين ، واضحا في نفسه ، اكتفى به واعمل عليه.
استقم:
الزم عمل الطاعات ، وانته عن جميع المخالفات.
الزم عمل الطاعات ، وانته عن جميع المخالفات.
شرح الحديث
للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله
للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله
قوله:
"قل
لي في الإسلام ":
أي
في الشريعة.
قولاً
لا أسأل عنه أحداً غيرك:
يعني
قولاً يكون حداً فاصلاً جامعاً مانعاً.
فقال
له:
"قُل
آمَنْتُ بِاللهِ"
وهذا
في القلب
"ثُمَّ
استَقِم"
على
طاعته، وهذا في الجوارح.
فأعطاه
النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين:
"آمَنْتُ
بِاللهِ"
محل
الإيمان القلب
"ثُمَّ
استَقِم"
وهذا
في عمل الجوارح
وهذا
حديث جامع، من أجمع الأحاديث.
فقوله:
قُل
آمَنْتُ يشمل قول اللسان وقول القلب.
قال
أهل العلم:
قول
القلب:هو
إقراره واعترافه. "آمَنْتُ
بِاللهِ"
أي
أقررت به على حسب ما يجب علي من الإيمان
بوحدانيته
في الربوبية
والألوهية والأسماء والصفات.
ثم
بعد الإيمان "اِستَقِم"
أي
سر على صراط مستقيم، فلا تخرج عن الشريعة
لا يميناً ولا شمالاً.
هاتان
الكلمتان جمعتا الدين كله. فلننظر:
الإيمان
بالله يتضمن:
الإخلاص
له في العبادة،
والاستقامة تتضمن التمشي على شريعته عزّ وجل، فيكون جامعاً لشرطي العبادة وهما:
والاستقامة تتضمن التمشي على شريعته عزّ وجل، فيكون جامعاً لشرطي العبادة وهما:
الإخلاص
والمتابعة.
الفوائد
التربوية
الفائدة
الأولى :
أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال " لا أسأل عنه أحداً غيرك " فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعاً مانعاً .
أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال " لا أسأل عنه أحداً غيرك " فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعاً مانعاً .
الفائدة
الثانية :
يدل
على الحرص على طلب العلم وهذا ظاهر من
صيغة السؤال ، فهي تدل على حب وشغف لمعرفة
الجواب .
الفائدة
الثالثة :
ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ، وهذا ما فعله سفيان بن عبدالله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصراً هاماً ، إجابته تجمع فوائد عديدة .
ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ، وهذا ما فعله سفيان بن عبدالله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصراً هاماً ، إجابته تجمع فوائد عديدة .
الفائدة
الرابعة :
السؤال
مفتاح العلم ، فعلى طالب العلم ألّا يستحي
من سؤاله .
الفائدة
الخامسة :
طالب
العلم يجب أن يكون ذكياً في اختيار سؤاله
، خاصة إن كانت فرصة الجواب لا تتهيأ في
كل الأحيان ، ولذلك فإن سؤال سفيان رضي
الله عنه من هذا النوع الذكي الذي يختلف
عن أسئلة الناس .
الفائدة
السادسة :
قوله
"
آمنت
بالله ثم استقم "
مرادف
لقوله تعالى {إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا}
(13) سورة الأحقاف .
(13) سورة الأحقاف .
الفائدة
السابعة :
جمع
في الحديث أركان الإيمان عند أهل السنة
والجماعة وهي :
ـ
قول
اللسان :
لقوله
"
قل
آمنت بالله "
.
اعتقاد
الجنان :
لقوله
"
آمنت
بالله "
.
عمل
الجوارح :
لقوله
"
استقم
"
.
الفائدة
الثامنة :
الإيمان
قول يصدقه عمل ، فلم يكتف النبي صلى الله
عليه وسلم
بقوله
"
قل
آمنت بالله "
حتى
أردف بها وصيته لسفيان رضي الله عنه بقوله
"
ثم
استقم "
فيصدق
قوله بالإيمان بفعل وعمل ظاهر .
الفائدة
التاسعة :
قوله
"
استقم
"
تحمل
في مضمونها المجاهدة ، فلا تأتي الاستقامة
على دين الله إلّا
بعد مكابدة وصبر ومصابره .
الفائدة
العاشرة :
يجب
على الإنسان أن يستقيم على دين الله من
غير اعوجاج ولا انحراف ،
ويشمل ذلك فعل
الطاعات وترك المنهيات .
الفائدة
الحادية عشرة :
الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .
الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .
الفائدة
الثانية عشرة :
جمع
الحديث الدين كله ،
لأن الإستقامة
هي فعل الطاعات كلها من واجبات ومستحبات
، وترك المنهيات كلها من محرمات ومكروهات
وهذا هو الدين الذي بعث به محمد صلى الله
عليه وسلم .
الفائدة
الثالثة عشر :
الإستقامة
قرنت في القرآن مع الاستغفار في
قوله :
{فَاسْتَقِيمُوا
إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} (6) سورة
فصلت .
وهذا
دليل على أن الاستقامة الحقيقية الكاملة
لا يستطيعها كل أحد
"
فلا
بد من تقصير فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي
للتوبة والرجوع إلى الإستقامة "
.
الفائدة
الرابعة عشر :
لا
يقر الحديث مجرد الإقرار بالإيمان
والانتساب إلى منهج أهل السنة ما لم يكن
معه استقامة تصدقه وتحفظه وترشده ، استقامة
في القلب والجوارح ، فإن
لم تكن استقامة فمجرد الانتساب لا يكفي
، كما أوضحه صلى الله عليه وسلم لسفيان
رضي الله عنه .
الحديث
الثاني والعشرون
عن
أبي عبدِ اللهِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ
الأنصاريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُما، أَنَّ
رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
(
أَرَأَيْتَ
إذا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوباتِ، وَصُمْتُ
رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلالَ،
وَحَرَّمْتُ الْحَرامَ، وَلَمْ أَزِدْ
عَلَى ذلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ
الْجَنَّةَ قالَ:
{ نَعَمْ}.
رواه مسلِمٌ.
رواه مسلِمٌ.
شرح
الحديث
يقول
جابر رضي الله عنه:
إن
رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ،
وهذا الرجل لا نحتاج لمعرفة عينه، لأن
المقصود
القضية التي وقعت.ولا
نحتاج إلى التعب في البحث عنه،اللهم إلا
أن يكون تعيينه مما يختلف به الحكم فلابد
من التعيين.
وقوله
"أَرَأَيتَ"
بمعنى
أخبرني.
إِذا
"صَليتُ
المَكتوبَات"
وهن
خمس صلوات في اليوم والليلة
كما
قال عزّ وجل:
(إِنَّ
الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَاباً مَوْقُوتاً)
(النساء:
الآية103)
وغير
الخمس لا يجب إلا لسبب يقتضيه، وهذا يُعرَف
بالتأمل. "
وَصمتُ
رَمَضَان"
أي
الشهر المعروف.
والصيام
في اللغة:
الإمساك
عن أي شيء
وفي
الشرع:
هو
الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى
غروب الشمس تعبداً لله عزّ وجل.
وقولنا:
تعبداً
لله خرج به ما لو أمسك عن المفطرات حمية
لنفسه،أو
تطبباً،فإن
ذلك ليس
بصيام شرعي،
ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعية
بالتعبد.
"
وَأَحلَلتُ
الحَلالَ"
أي
فعلت الحلال معتقداً حله، هذا معنى قوله:
"أَحلَلت"
لأن
أحل
الشيء لها معنيان:
المعنى
الأول:
الاعتقاد
أنه حلال.
المعنى
الثاني:
العمل
به.
"وَحَرَّمتُ
الحَرَامَ"
أي
اجتنبت الحرام معتقداً تحريمه.
ولكن
النووي -رحمه
الله-
بعد
أن ساق الحديث لم يقيد الحرام بكونه
معتقداً تحريمه.
لأن
اجتناب
الحرام خير وإن
لم يعتقد أنه حرام، لكن إذا اعتقد أنه
حرام صار
تركه للحرام عبادة لأنه تركه لاعتقاده
أنه حرام.
مثال
ذلك:
رجل
اجتنب شرب الخمر،لكن لا على أنه حرام إلا
أن نفسه لا تطيب به،فهذا
لا إثم عليه، لكنه إذا
تركه معتقداً تحريمه وأنه تركه لله صار
مثاباً على هذا،وسيأتي
مزيد بيان لهذا إن شاء الله في آخر الفوائد.
"أَدخُل
الجَنة"
يعني
أأدخل الجنة، والجنة هي دار
النعيم التي
أعدها الله عزّ وجل للمتقين، فيها مالا
عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب
بشر،والجنة
فيها فاكهة ونخيل ورمان وفيها لحم وماء
وفيها لبن وعسل.
الاسم
مطابق لأسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة
مخالفة لها غاية المخالفة لقول
الله تعالى:
(فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (السجدة:17)
وقوله
تعالى في الحديث القدسي:
(أَعْدَدْتُ
لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لاَ
عَيْنٌ رَأَتْ،وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ،وَلاَ
خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)[154]
فلا
تظن أن الرمان الذي في الجنة كالرمان الذي
في الدنيا، بل يختلف بجميع أنواع الاختلافات
لقوله
تعالى:(فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة:17]
ولو
كان لا يختلف لكنا نعلم بهذا .
قال:
نَعَم
ونعم
حرف جواب لإثبات المسؤول عنه ،والمعنى:
نعم
تدخل
الجنة
الفوائد
التربوية
الفائدة
الأولى :
تفاوت
الناس في الإيمان ، فمنهم من يحرص على
المقامات
العليا ،
ومنهم من يكون أقل ، فأحياناً يسأل
السائل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن
أفضل الأعمال ؟ وأحياناً
بما دون ذلك ، وهذا يؤكد مذهب أهل السنة
والجماعة في أن الإيمان
يزيد وينقص وأهله يتفاضلون فيه .
الفائدة
الثانية :
طالب
العلم ينبغي أن ينتبه للأسئلة التي تعرض
على الشيخ ويحضر لها ذهنه وقلبه ولو كانت
من غيره ، فلابد
أن يجد فيها فائدة .
الفائدة
الثالثة :
يجوز
الاقتصار على الفرائض من المكتوبات ورمضان
والزكاة وغيرها ، لكن المقام
العالي أن يجمع الشخص النوافل .
الفائدة
الرابعة :
فيه
فضيلة الفرائض لدرجة أن من
اقتصر عليها وداوم تدخله الجنة بفضل الله
ورحمته .
الفائدة
الخامسة :
على
العالم أن يراعي حال الناس ،
فلا يلزم الناس بحالة واحدة ويهمل الفوارق
بينهم بل عليه أن يوجه ويرشد على حسب حال
السائل ، ولذلك السائل في حديث الباب لم
يوبخه النبي صلى
الله عليه وسلم ويلزمه
النوافل بل
رضي منه الفرائض لأنها تناسب حاله ، وفي
بعض الروايات أن أعرابياً سأل النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولا
يخفى مراعاة حال الأعراب .
الفائدة
السادسة :
من
الفقه ألا
يقنط العالم الناس من رحمة ربه سبحانه
وتعالى .
الفائدة
السابعة :
تيسير
الشريعة الإسلامية على أهلها فلم تشدد
عليهم ولم تطالبهم بالتنطع والانقطاع
والرهبانية بل رضيت منهم الحرص
على الفرائض وفعل الحلال وترك الحرام .
الفائدة
الثامنة :
الحديث
دليل
لمذهب أهل السنة والجماعة على أن
الأعمال من الإيمان .
الفائدة
التاسعة :
قول
السائل "
ولم
أزد على ذلك شيء "
معناه
لم أفعل النوافل بل أكتفي من الصلاة
بالمكتوبه ومن الصيام برمضان وهكذا ،
وليس المراد أني لا أعمل بشيء من الشريعة
غير الصلاة والصيام بدليل قوله "
وأحللت
الحلال وحرمت الحرام "
.
الفائدة
العاشرة :
التحليل
والتحريم لله
سبحانه فقط لأنه الحكم سبحانه له الحكم
وهو أحكم الحاكمين
الفائدة
الحادية عشرة :
دل
الحديث على أن تحليل الحلال باعتقاد حله
سواءً فعله أو لم يفعله ، وتحريم الحرام
باعتقاد حرمته واجتنابه وتركه .
الحديث
الثالث والعشرون
عن
أبي مالكٍ الحارثِ بنِ عاصمٍ الأشْعَرِيِّ
رَضِي اللهُ عَنْهُ، قالَ قالَ رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:
{ الطُّـهُورُ
شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ
تَمْلأَُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ
اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأَُ مَا
بَيْنَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ،
وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ
بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ،
وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ،
كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ
نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ
مُوبِقُهَا}.
رواه مسلِمٌ.
رواه مسلِمٌ.
شرح
الحديث
عن
أبي مالك -
الحارث
بن عاصم -
الأشعري
قال:
قال
رسول الله :
{
الطهور
شطر الإيمان }
بضم
الطاء يعني
الطهارة.
شطر
الإيمان أي
نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي
أما
التخلي فهو
التخلي عن الإشراك لأن الشرك بالله نجاسة
كما
قال
الله تعالى:
)إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ
هَذَا ([التوبة:28].
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان
وقيل:
إن
معناه أن الطهور
للصلاة شطر
الإيمان، لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا
بطهور.
لكن
المعنى
الأول أحسن
وأعم.
وقال:
{
والحمد
لله تملأ الميزان }
الحمد
لله تعني:
وصف
الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية
والفعلية،
{
تملأ
الميزان }
أي
ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل
ولهذا
قال النبي :
{
كلمتان
حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان
ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم }.
وقال:
{ سبحان
الله والحمد لله }
يعني
الجمع بينهما {
تملأ
}
أو
قال:
{ تملان
ما بين السماء والأرض }
وذلك
لعظمهما ولاشتمالهما على
تنزيه الله تعالى عن
كل نقص، وعلى إثبات الكمال لله عزوجل،
ففي التسبيح
تنزيه الله عن كل نقص،
وفي الحمد
وصف الله تعالى بكل كمال،
فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض.
ثم
قال:
{ والصلاة
نور }
يعني:
أن
الصلاة نور
في القلب وإذا
استنار
القلب استنار الوجه،
وهي كذلك نور يوم القيامة
قال تعالى:
)يَوْمَ
تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ .([الحديد:12].
وهي
أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير
ذلك من كلما فيه النور.
وقال:
{ والصدقة
برهان }
أي
دليل على صدق صاحبها،
وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال
محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا
في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل
المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو
برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.
قال:
{ والصبر
ضياء }
الصبر
أقسامه ثلاثة:
صبر
على طاعة
الله
وصبر عن معصية الله
وصبر على أقدار الله.
وصبر عن معصية الله
وصبر على أقدار الله.
وقال:
{ ضياء
}
نوراً
مع حرارة كما
قال
تعالى:)
هُوَ
الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً
وَالْقَمَرَ نُوراً(
[يونس:5].
والشمس
فيها النور
والحرارة،
والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني
كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار.
وقال
أيضاً:
{ والقرآن
حجة لك أو عليك }
والقرآن
حجة
لك،
أي عند الله عزوجل أو حجة
عليك .
فإن
عملت به كان
حجة لك، وإن أعرضت
عنه كان
حجة عليك، ثم بين النبي أن كل الناس يغدون،
أي يذهبون الصباح إلي أعمالهم.
وقال:
{ فبائع
نفسه فمعتقها أو موبقها {
كل
الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم،
فمنهم من يعتق نفسه ومنم من يوبقها أي
يهلكها بحسب عمله
فإن
عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد
أعتق نفسه أى حررها من الشيطان.
الفوائد
التربوية :
الفائدة
الأولى :
فيه
فضيلة الوضوء وأهميته لأنه المراد بقوله
"
الطهور
"
لروايات
الحديث الآخرى .
الفائدة
الثانية :
دليل
لمذهب أهل السنة أن الأعمال من الإيمان
حيث اعتبر الوضوء شطر
الإيمان .
الفائدة
الثالثة :
التطهر
بمعناه العام من الإيمان ، فيدخل فيه
الوضوء
والغسل والطهارة من
الذنوب سواءً بحديث الباب أو غيره من
الأحاديث .
الفائدة
الرابعة :
لا
يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن مراقب لربه
، محتسب لصلاته ، حريص على العناية بها
ولهذا
كان الطهور شطر الإيمان ، أما
من تهاون به فاته فضل الإسباغ ،
وكان دليلاً على قدر الصلاة في قلبه .
الفائدة
الخامسة :
فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم القيامة .
فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم القيامة .
الفائدة
السادسة :
لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لديه ولذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد .
لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لديه ولذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد .
الفائدة
السابعة :
التحميد أفضل من التسبيح
التحميد أفضل من التسبيح
لأن
التحميد
إثبات المحامد كلها لله سبحانه بخلاف
التسبيح
فهو تنزيه الله عن النقائص والعيوب
ولهذا يأتي التحيمد مفرداً بينما التسبيح
الغالب أن يأتي مقروناً بغيره كالتحميد
فتقول :
" سبحان
والله وبحمده "
ولا
يعني هذا نقص التسبيح لكن يعني كمال
التحميد .
الفائدة
الثامنة :
الحمد
فيه اعتراف
بفضل الله سبحانه ومدح له ،
ويتضمن نقص النفس لأنها لا تملك شيئاً
تحمد فيه وتمدح لأجله .
الفائدة
التاسعة :
فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء والأرض .
فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء والأرض .
الفائدة
العاشرة :
فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة .
فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة .
الفائدة
الحادية عشرة :
قوله
"
الصلاة
نور "
دليل
على أنه على قدر صلاته وإتمامها وخشوعها
تكون قوة ذلك النورنسأل الله أن يتم نورنا
، فمن تم نور صلاته
نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر وكانت
حجابه عن النار ،
ونور
الله بصيرته ،
ومن نقص نور صلاته نقص منه بقدر ذلك .
الفائدة
الثانية عشرة :
فيه فضيلة الصدقه وأنها علامة من علامات الإيمان .
فيه فضيلة الصدقه وأنها علامة من علامات الإيمان .
الفائدة
الثالثة عشر :
النفس تحب
المال بطبعها فمن
خالف هوى نفسه وأنفق وتصدق كان ذلك برهانُ
على إيمانه ولذلك قال "
والصدقة
برهان "
.
الفائدة
الرابعة عشر :
فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم .
فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم .
الفائدة
الخامسة عشر :
قوله "
والصبر
ضياء "
يدل
على أن الصبر لابد فيه من الحرارة
وإكراه النفس
لأن الضياء نور فيه حرارة بخلاف النور
فهو مجرد الإشراق .
الفائدة
السادسة عشر :
الصبر
بأنواعه الثلاثة فيه حبس للنفس ومشقة
سواءً :
ـ
ـ الصبر على طاعة الله . ـ الصبر عن معصية الله . ـ الصبر على أقدار الله
ـ الصبر على طاعة الله . ـ الصبر عن معصية الله . ـ الصبر على أقدار الله
الفائدة
السابعة عشر :
الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إلّا أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله " ضياء " ففيه بشارة
الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إلّا أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله " ضياء " ففيه بشارة
الحديث
الرابع والعشرون
عن
أبي ذرٍّ الغِفَاريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ،
عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلّ
أنَّه قالَ:
{يَا
عِبَادِي،إِنِّي
حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي،
وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا،
فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا
عِبَادِي،
كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ
,
فَاسْتَهْدُونِي
أَهْدِكُمْ. يَا
عِبَادِي،
كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ،
فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا
عِبَادِي،
كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ،
فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا
عِبَادِي،
إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ
لَكُمْ. يَا
عِبَادِي،
إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي
فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا
نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا
عِبَادِي،
لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى
أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُمْ
مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا. يَا
عِبَادِي،
لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى
أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يا
عِبَادِي لَوْ
أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ
وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ
فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ
مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا
عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ
إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا
عِبَادِي،
إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا
لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا,
فَمَنْ
وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ،
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ
يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ}.
رواه
مسلِمٌ.
الشرح :
هذا
الحديث يسمى عند المحدثين قدسيا.ً
والحديث
القدسي:
كل
ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه
عزّ وجل. لأنه
منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع.
نداءٌ
من الله عزّ وجل أبلغنا به أصدق المخبرين
وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
"يَاعِبَادِي"
يشمل
كل من كان عابداً بالعبودية العامة
والعبودية الخاصة.
"إِنِّي
حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي"
أي
منعته مع قدرتي عليه،
وإنما
قلنا:
مع
قدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعاً على الله
لم يكن ذلك مدحاً ولاثناءً، إذ لايُثنى
على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو
لا يفعل.
فلو
سألنا سائل مثلاً وقال:هل
يقدر الله أن يظلم الخلق؟
فالجواب:
نعم،
لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره،
حيث
قال: (وَلا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف:49].
"وَجَعَلتُهُ
بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً"
أي
صيّرته بينكم محرماً.
"فَلا
تَظَالَمُوا"
هذا
عطف معنوي على قوله:
"جَعَلتُهُ
بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً"
أي
فبناء على كونه محرماً لاتظالموا، أي لا
يظلم بعضكم بعضاً.
"
يَا
عِبَاديَ كُلُّكُم ضَالٌّ"
أي
تائه عن الطريق المستقيم
"إِلاَّ
مَنْ هَدَيْتُهُ"
أي
علمته ووفقته، و علمته هذه هداية الإرشاد
و وفقته هداية التوفيق.
"فَاستَهدُونِي
أَهدِكُمْ"
أي
اطلبوا مني الهداية لامن غيري أهدكم،
وهذا جواب الأمر
وهذا
كقوله: (ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر:60]
"يَاعِبَادِي
كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ"
أي
كلكم جائع إلا من أطعمه الله، وهذا يشمل
ما إذا فقد الطعام، أو وجد ولكن لم يتمكن
الإنسان من الوصول إليه، فالله هو
الذي أنبت الزرع،
وهو الذي أدرّ
الضرع،
وهو الذي أحيا
الثمار
واقرأ
من سورة الواقعة من قول الله تعالى:
(أَفَرَأَيْتُمْ
مَا تُمْنُونَ*
أَأَنْتُمْ
تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ
قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا
نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ
فِي مَا لا تَعْلَمُونَ*و
َلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى
فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ*أَفَرَأَيْتُمْ
مَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ
تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ*
لَوْ
نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ
تَفَكَّهُونَ*إِنَّا
لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ
نَحْنُ مَحْرُومُونَ*
أَفَرَأَيْتُمُ
الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*
أَأَنْتُمْ
أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ
نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ*
لَوْ
نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا
تَشْكُرُونَ*
أَفَرَأَيْتُمُ
النَّارَ الَّتِي تُورُونَ*
أَأَنْتُمْ
أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ*
نَحْنُ
جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً
لِلْمُقْوِينَ*
فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
[الواقعة:58-74]
،
تجد كيف
تحدّى الله الخلق في هذه الآيات لا
بالنسبة للمأكول، ولا المشروب، ولا ما
يصلح به المأكول والمشروب.
فكلّنا
جائع إلا من أطعمه الله.
كذلك
أيضاً يمكن أن يوجد الطعام لكن قد
لا يتمكن الإنسان منه:إما
لكونه محبوساً، أو مصاباً بمرض، أو بعيداً
عن المحل الخصب والرخاء.
"فَاسْتَطْعِمُونِي"
أي
اطلبوا مني الإطعام، وإذا طلبتم ذلك
ستجدونه.
"
أُطْعِمْكُمْ" أطعم:
فعل
مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر.
"يَاعِبَادِي
كُلُّكُم عَارٍ"
فكلنا
عار، لأننا خرجنا من بطون أمهاتناعراة.
"إِلاّ
مَنْ كَسَوتُهُ فَاستَكْسُونِي أَكْسُكُمْ"
سواء
كان من فعل الإنسان كالكبير يشتري الثوب،
أو من فعل غيره كالصغير يُشترى له الثوب،
وربما يقال:
إنه
يشمل
لباس الدين،
فيشمل
الكسوتين:
كسوة
الجسد الحسيّة، وكسوة الروح المعنوية.
"يَاعِبَادي
إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ"
أي
تجانبون الصواب،
لأن
الأعمال إما خطأ وإما صواب، فالخطأ مجانبة
الصواب وذلك إما بترك
الواجب،
وإما بفعل
المحرّم.
وقوله:
بِالَّليْلِ
الباء هنا بمعنى: (في) كما
هي في قول الله تعالى:
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل)[الصافات:137-138]
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل)[الصافات:137-138]
أي
وفي الليل.
"وَأَنَا
أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً"
أي
أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت، ومهما
عظمت، ولكن تحتاج إلى الاستغفار.
"فَاستَغفِرُونِي
أَغْفِر لَكُم"
أي
اطلبوا مغفرتي، إما
بطلب المغفرة
كأن
يقول:
اللهم
اغفر لي،
أو:
أستغفر
الله وأتوب إليه.
وإما بفعل
ما تكون به المغفرة،
فمن قال:
سبحان
الله وبحمده
مائة
مرة غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر.
"يَاعِبَاديَ
إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّيْ
فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي
فَتَنْفَعُونِي"
أي
لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني،
لأن الضار
والنافع هو الله عزّ
وجل والعباد لايستطيعون هذا، وذلك لكمال
غناه عن عباده عزّ وجل.
"
يَاعِبَادِيَ
لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى
أَتقَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ مَا
زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً"
يعني
لو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين
والآخرين كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد
ذلك في ملك الله شيئاً، وذلك لأن ملكه
عزّ وجل عام واسع لكل شيء،
للتقيّ والفاجر.
ووجه
قوله:
"مَا
زَادَ ذَلِكَ فِي مُلكِي شَيئَاً"
أنهم
إذا كانوا على أتقى قلب رجل واحد كانوا
من أولياء الله، وأولياء الله عزّ وجل
جنوده، وجنوده يتسع بهم ملكه،
كما لوكان للملك من ملوك الدنيا جنود
كثيرون فإن ملكه يتسع بجنوده.
ثم
قال:
"يَاعِبَادِيَ
لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى
أَفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِي شَيْئَاً"
ووجه
ذلك:
أن
الفاجر عدو لله عزّ وجل فلا ينصر الله،
ومع هذا لاينقص من ملكه شيئاً لأن الله
تعالى غني عنه.
"يَاعِبَادِيَ
لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في
صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلونِي فَأَعطَيتُ
كُلَّ وَاحِدٍ مَسأَلَتَهُ"
أي
إذا قاموا في أرض
واحدة منبسطة،
وذلك لأنه كلما كثر الجمع كان ذلك أقرب
إلى الإجابة.
"مَا
نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ
كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ
البَحرَ"
وهذا
من باب المبالغة في عدم النقص.
لأن
كل واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو
الإبرة الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها
لا تنقص البحر شيئاً ولا تغيره،
وهذاكقوله
تعالى:
( لا
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
(الأعراف:
الآية40)
إذ
من المعلوم أن الجمل لايمكن أن يدخل في
سم الخياط، فيكون هذا مبالغة
في عدم دخولهم الجنة.
كذلك
هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر
لم ينقص شيئاً، فكذلك لو أن أول الخلق
وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله عزّ وجل
وأعطى كل إنسان مسألته مهما بلغت فإن
ذلك لاينقص ما عنده إلا كما ينقص المخيط
إذا أدخل البحر.
ومن
المعلوم أن المخيط إذا أدخل البحر لاينقص
البحر شيئاً.
وفي
الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال :
"يَدُ
اللهِ مَلأى سحَّاءَ"
أي
كثيرة العطاء "الَّليلَ
والنَّهَارَ"
أي
في الليل والنهار "أَرَأَيْتُمْ
مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرض فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ"
أي
لم ينقص "مَا
فِي يَمِيْنِهِ"[166] .
يَاعِبَادِيَ:
إِنَّمَا
هِيَ أَعْمَالُكُمْ:
هذه
جملة فيها حصر طريقه:
(إنما)
أي ما هي إلا أعمالكم أُحْصِيْهَا لَكُمْ أي أضبطها تماماً بالعدّ لازيادة ولانقصان، لأنهم كانوا في الجاهلية لايعرفون الحساب فيضبطون الأعداد بالحصى،
أي ما هي إلا أعمالكم أُحْصِيْهَا لَكُمْ أي أضبطها تماماً بالعدّ لازيادة ولانقصان، لأنهم كانوا في الجاهلية لايعرفون الحساب فيضبطون الأعداد بالحصى،
وفي
هذا يقول الشاعر:
ولستُ
بالأكثر منهمْ حصى وإنّما العزّة
للكاثرِ
يعني
أن عددكم قليل، وإنما العزة للغالب في
الكثرة.
"ثُمَّ
أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا"
أي
في الدنيا والآخرة، وقد يكون في الدنيا
فقط، وقد يكون في الآخرة فقط. قد
يكون في الدنيا فقط:
فإن
الكافر يجازى على
عمله الحسن لكن في
الدنيا لا
في الآخرة،
والمؤمن قد يؤخر له الثواب في
الآخرة،
وقد يجازى به في الدنيا وفي الآخرة،
قال
الله تعالى: ( مَنْ
كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ
لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
نَصِيبٍ) (الشورى:20)
وقال
عزّ وجل: ( مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا
لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ
نُرِيد)(الاسراء:
الآية18)
وقال
عزّ وجل: (وَمَنْ
أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا
سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ
كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
إذاً
فالتوفية
تكون في الدنيا دون الآخرة للكافر،
أما المؤمن
فتكون في الدنيا والآخرة جميعاً، أو في
الآخرة فقط.
"
فَمَنْ
وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ":
أي
من وجد خيراً من أعماله فليحمد الله على
الأمرين:
على
توفيقه للعمل الصالح، وعلى ثواب الله
له. "وَمَنْ
وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ"
أي
وجد شراً أو عقوبة "فَلا
يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ"
لأنه
لم يُظلم،
واللوم:أن
يشعر الإنسان بقلبه بأن هذا فعل غير لائق
وغير مناسب، وربما ينطق بذلك بلسانه.
من
شرح ابن عثيمين رحمه الله تعالى .
فوائد
الحديث :
1-
أن
من السنة ما هو من كلام الله، وهو ما يرويه
النبي عن ربه، وهو ما يعرف بالحديث
القدسي.
2-
أن
جميع
الثقلين عباد لله مؤمنهم
وكافرهم، وهذه هي العبودية العامة.
3-
أن
الله يوجب
على نفسه ويحرم
على نفسه.
4-
تنزيه
الله عن الظلم،
ومن صوره أن يعذب أحداً بذنب غيره.
5-
أن
الظلم
مقدور له.
6-
الرد
على الجبرية الذين
يقولون إن الظلم من الله هو الممتنع لذاته،
وإن كل ممكن فإنه يجوز على الرب تعالى.
7-
إطلاق
النفس على الله،
والمراد بالنفس الذات.
8-
تحريم
الظلم بين العباد في
الدماء والأموال والأعراض.
9-
أنه
يجب على العباد ترك ظلم بعضهم بعضاً لقوله:
"
فلا
تظالموا ".
10-
تحريم
الظلم ابتداءً ومجازاة.
11-
أن
شرائع الله مبنية على العدل. قوله (يا
عبادي كلكم ضال إلا من هديته ...)
فيه
فوائد منها:
12-
أن
الأصل
في المكلفين :
الضلال،
وهو الجهل بالحق وترك العمل به، ويشهد
لذلك
قوله
تعالى : {وَحَمَلَهَا
الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا
جَهُولاً} [الأحزاب
:
72].
13-
أن
ما
يحصل للعباد من علم أو اهتداء،
فبهداية الله وتعليمه.
14-
الإرشاد
إلى طلب الهدى من الله لقوله :
"
فاستهدوني
"،
والهداية
من الله نوعان
: -
-هداية
البيان والإرشاد :
وهي
عامة لسائر المكلفين، وهي مقدورة للخلق
كما
قال
تعالى:{وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[ الشورى
:
52].
-
وهداية
التوفيق لقبول
الحق والعمل به :
وهي
هداية خاصة ولا يقدر عليها إلا الله عز
وجل.
قال
تعالى (إنك
لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
والهداية
في هذا الحديث يحتمل أن تكون هي الهداية
الخاصة ويحتمل
أن تكون شاملة
للنوعين، وهو أظهر،
لقوله
تعالى:{اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
[الفاتحة
:
6]
15-
أن
الدعاء
سبب لهداية الله.
16-
أن
الهدى
من الله وحده.
17-
أن
من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له.
18-
الرد
على القدرية في
قولهم باستقلال العبد في إيمانه وكفره
وهداه وضلاله. وقوله :
(يا
عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته .. )
فيه
فوائد منها:
19-
تعريف
العباد
بفقرهم وحاجتهم إلى الله من
جميع الوجوه.
20-
فقر
العباد إلى الله في
طعامهم وشرابهم.
21-
الإرشاد
إلى طلب ذلك من الله.
22-
أن
الدعاء سبب لنيل ما عند الله.
23-
مشروعية
الدعاء في
مطالب الدنيا والآخرة، وهو لا ينافي الأخذ
بالأسباب الأخرى حسب السنن الكونية
كالتجارة والزراعة والصناعة.
24-
أن
الله
تعالى هو الذي يطعم
العباد ويسقيهم،كما
قال إبراهيم
-
عليه
السلام - {وَالَّذِي
هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ }[الشعراء
:
79]
وقال
تعالى {أَطْعَمَهُمْ
مِنْ جُوعٍ } [قريش
:
4]
وقال
تعالى { كُلُوا
وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ }[البقرة
:
60]
25-
أن
كل طعام يحصل للعبد فهو بإطعام
الله، ولو
حصل على يد بعض العباد.
26-
دفع
القدر بالقدر، ومنه دفع الجوع بالدعاء
وبالأكل.
27-
أن
من لم يطعمه الله فلا مطعم له.
وقوله
: ( يَا
عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ
كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ)
فيه
فوائد منها:
28-
فقر
العباد إلى
الله في كسائهم.
29-
الإرشاد
إلى طلب ذلك من الله.
30-
مشروعية
الدعاء حتى
في منافع الدنيا من الطعام والشراب
والكسوة.
31-
أن
الله هو الذي يكسو العباد بما يخلقه لهم
وييسره بما يستر عوراتهم ويتجملون به كما
قال
تعالى :{يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ
لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً}
[الأعراف
:
26].
32-
أن
ما يحصل للعبد من لباس
وزينة فهو
من الله ولو كان ذلك بسبب من الأسباب، أو
على يد بعض العباد.
33-
دفع
القدر بالقدر، ومن ذلك دفع
العري بالدعاء وبما
يسر الله من اللباس.
34-
أن
من لم يكسه الله فلا كاسيَ له.
35-
أن
الهدى من الضلال أهم من الغذاء والكساء
فبالهدى حياة الروح وسعادتها، وبالغذاء
والكساء حياة البدن وجماله.
وقوله
:
( يَا
عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا
أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا،
فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ )
فيه
فوائد منها:
36-
كثرة
تعرض العباد للذنوب.
37-
أن
من صفات الله مغفرة
الذنوب.
38-
أنه
سبحانه وتعالى يغفر
جميع الذنوب لمن تاب .
ويشهد
لهذا الحديث من القرآن
قوله
تعالى { قُلْ
يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً }[الزمر
:
53]
والمراد
لمن تاب.
39-
الأمر
بالاستغفار وأنه
سبب المغفرة، فإن كان الاستغفار متضمناً
للتوبة كان الوعد بالمغفرة وعداً محققاً،
وإن لم يكن متضمناً للتوبة فالوعد بالمغفرة
مقيد بالمشيئة وذلك فيما دون الشرك كما
قال
تعالى {
إِنَّ
اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَاء}
[النساء : 48]
[النساء : 48]
فإن
الله يغفر لمن يشاء ويتوب على من تاب.
وقوله
: ( يَا
عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا
ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا
نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي )
فيه
فوائد منها:
40-
أن
الله تعالى لا
تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية
العاصين.
41-
أنه
تعالى لا
يلحقه ضرر في ذاته وأسمائه وصفاته ولا في
أفعاله ولا في ملكه،
بل الضرر ممتنع في حقه بخلاف الأذى فإنه
جائز عليه سبحانه وواقع من بعض العباد
بما يقولون أو يفعلون مما يكرهه سبحانه
كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ }[الأحزاب : 57]
كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ }[الأحزاب : 57]
وقال
تعالى في الحديث القدسي "
يؤذيني
ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر.
وقال "
ليس
أحد أصبر على أذى سمعه من الله تعالى ".
42-
كمال
غناه سبحانه عن عباده، فلم يخلقهم ليتقوى
بهم من ضعف، أو يتكثر بهم من قلة، أو يتعزز
بهم من ذلة، بل خلقهم لعبادته،
كما
قال تعالى {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ{56}مَا
أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ} )
[الذاريات : 56 – 58]
[الذاريات : 56 – 58]
وقوله:
( يَا
عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ
وَآخِرَكُمْ وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم
كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ
واحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في
مُلْكِي شَيْئًا.
يَا
عِبَادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى
أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
يا
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ
وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ
قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي
فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ
كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا
أُدْخِلَ الْبَحْرَ)
فيه
فوائد منها:
43-
أن
تقوى
العباد كلهم
لا يزيد في ملك الرب شيئاً.
44-
أن
فجور
العباد كلهم
لا ينقص من ملكه شيئاً.
45-
أن
متعلَّق
التقوى والفجور القلب.
46-
كمال
غناه سبحانه عن العباد.
47-
أن
أمره
تعالى ونهيه تعود مصلحته إلى العباد،
فمنفعة طاعاتهم ومضرة معاصيهم لهم وعليهم.
48-
أن
ما عنده سبحانه لا ينفد بكثرة العطاء، بل
لا ينقص ما عنده مهما بلغ عطاؤه للسائلين.
49-
تصوير
هذه المعاني وتقريبها بالفرض والتقدير.
50-
الترغيب
في سؤال الله جميع الحوائج مع
حسن الظن وقوة الرجاء.
51-
تقريب
المعاني بضرب الأمثال،
وفي الحديث شاهد لتأكيد المدح بما يشبه
الذم في قوله "
إلا
كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ".
52-
أن
الاجتماع على الدعاء من
أسباب الإجابة كما في صلاة الاستسقاء
والجمعة والعيدين.
وقوله
: ( يَا
عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ
أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ
إِيَّاهَا,
فَمَنْ
وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ،
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ
يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )
فيه
فوائد منها:
53-
إثبات
فعل العبد، والرد على الجبرية.
54-
إحصاء
الله لأعمال العباد كما
قال
تعالى :{ يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ
اللَّهُ وَنَسُوهُ}
[المجادلة
:
6]
وقال
تعالى {هَذَا
كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ
إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ }
[الجاثية
:
29].
55-
أن
الغاية
من إحصائها هو الجزاء
عليها.
56-
مجازاة
الله العباد بأعمالهم،
وتوفيتهم جزاءها.
57-
أن
جزاء الإحسان الإحسان، وجزاء السوء بمثله.
كما
قال تعالى {وَلِلَّهِ
مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا
عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا
بِالْحُسْنَى }[النجم
:
31].
58-
أن
من
أحسن وجد جزاءه خيراً، ومن أساء وجد جزاءه
شراً.
59-
أن
من
أحسن فبتوفيق الله، وجزاؤه فضل من الله
فله الحمد.
60-
أن
من
أساء فلا حجة له على الله،
وما صار إليه من الشر فبسبب نفسه
قال تعالى:
{مَا
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ
نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ
رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [النساء
:
79]
وقد
أخبر سبحانه وتعالى أن أهل الجنة يحمدونه
إذا دخلوها، وأن أهل النار يعترفون بذنوبهم
قال تعالى عن أهل الجنة.
{وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ
لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ }[الأعراف
:
43]
وقال
عن أهل النار {َفاعْتَرَفُوا
بِذَنْبِهِمْ }[الملك
:
11]
وقال
سبحانه {قَالُوا
رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا
وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ }
[المؤمنون
:
106]
61-
أن
من بلاغة
الكلام التصريح بالمحبوب الممدوح والإبهام
في المكروه،
لقوله :
( فمن
وجد خيراً ) و (ومن
وجد غير ذلك) ونظيره
ما تقدم في حديث النية ( فهجرته
إلى الله ورسوله )
وفي
الآخر : ( فهجرته
إلى ما هاجر إليه ).
عن
أبي ذَرٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَنَّ
نَاسًا مِنْ أَصْحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
(
يَا
رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ
بِالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي،
ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ
بِفُضُولِ أَموالِهِم.
قالَ:
{ أَوَلَيْسَ
قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ،
إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً،
وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ
تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ
صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ
صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ
صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ
صَدَقَةٌ}.
قَالُوا:
يَا
رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا
شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ؟
قالَ:
{
أَرَأيْتُمْ
لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ
عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا
وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ
أَجْرٌ}). رواه
مُسلِمٌ.
المفردات:
ناسا: هم
فقراء المهاجرين ، كما في الرواية الأخرى.
من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:جمع
صاحب بمعنى الصحابي:
و
هو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد
النبوة وقبل وفاته مؤمنا به ومات على ذلك
، وإن لم يره كابن أم مكتوم.
الدثور:
بضم
الدال ، جمع دثر بفتح فسكون ، وهو المال
الكثير، بفضول أموالهم:
بأموالهم
الفاضلة عن كفايتهم.
بضع:
بضم
فسكون ، يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه
، وكلاهما تصلح إرادته هنا.
وزر:
إثم.
شرح
الحديث:
أن
أناساً من أصحاب رسول الله قالوا للنبي
{
يا
رسول الله }
وهؤلاء فقراء، قالوا: { يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور } يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور، يعني اختصموا بها. { يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة.قال النبي : { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون. } إلخ.
وهؤلاء فقراء، قالوا: { يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور } يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور، يعني اختصموا بها. { يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة.قال النبي : { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون. } إلخ.
لما
اشتكى الفقراء إلى رسول الله أنه ذهب أهل
الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون
كما يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني
والفقراء لا يتصدقون.
بيّن
لهم النبي الصدقة التي يطيقونها فقال:
{ أوليس
قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل
تسبيحة صدقة }
يعني
أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة {
وبكل
تكبيره صدقة }
يعني
إذا قال:
( الله
أكبر )
فهذه
صدقة {
وكل
تحميده صدقة }
يعني
إذا قال:
( الحمد
لله )
فهذه
صدقة {
وكل
تهليلة صدقة }
يعني
إذا قال:
( لا
إله إلا الله )
فهذه
صدقة .
{
وأمر
بالمعروف }
يعني
إذا أمر شخصاً أن يفعل طاعة فهذه صدقة
{
ونهي
عن منكر }
يعني
إذا نهى شخصاً عن منكر فإن ذلك صدقة
{
وفي
بضع أحدكم صدقة }
يعني
إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك صدقة وكل له
فيها أجر ذكروا ذلك لتقرير قوله {
وفي
بضع أحدكم صدقة }
وليس
للشك في هذا لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي
فهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك فقالوا:
يا
رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له
فيها أجر ؟
ونظير ذلك
قول
زكريا عليه السلام:”
قَالَ
رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ
بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي
عَاقِرٌ” [آل
عمران:40]
.
أراد
أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به.
قال:
{ أرأيتم
لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ }
والجواب:
نعم
يكون عليه وزر
قال:
{ فكذلك
إذا وضعها في حلال كان له أجر }
وهذا
القياس سمونه قياس العكس.
يعني
كما أن عليه وزراً في الحرام يكون له أجراً
في الحلال فقال
{ فكذلك
إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.
فضيلة
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه
الله
من
فوائد الحديث:
1-
نعمة
المال عون
على الأعمال الصالحة
ويشهد
لهذا الحديث :
"
نعم
المال الصالح للعبد الصالح ".
2-
اكتساب
الأجور ببذل
المال في سبل الخيرات.
3-
فضل
الغني الشاكر على
الفقير الصابر.
4-
حرص
الصحابة على
ما يقربهم إلى الله.
5-
فضل
فقراء الصحابة لمنافسة
إخوانهم الأغنياء.
6-
فضل
أغنياء الصحابة لمشاركة
الفقراء في العبادات البدنية فرضها ونفلها
مع التصدق بفضول أموالهم.
7-
المنافسة
في الخير والبر.
8-
أن
مجرد
نية الخير والرغبة فيه لا
تبلغ منزلة الفعل والبذل.
9-
استحباب
التصدق بفضول
الأموال وهي مازاد عن الحاجة،ويدل له
قوله
تعالى:
{وَيَسْأَلُونَكَ
مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
البقرة219
10-
أن
الصدقة
لها معنى خاص وهي
الصدقة بالمال ومعنى عام وهي فعل عموم
الطاعات القولية والفعلية، وسميت
الطاعة صدقة لأنها تدل على صدق إيمان
العبد وهي صدقة منه على نفسه،
وما كان نفعها متعدياً فهي أيضاً صدقة
على غيره.
11-
تقرير
المخاطب بما يعرفه.
12-
أن
شرع
هذه الأبواب من الخير سابق لشكوى الفقراء.
13-
فضل
الله على عباده بتيسير
أسباب الأجور وكثرتها.
14-
فضل
ذكر الله والترغيب
في الإكثار منه.
15-
بيان
ألفاظ الذكر وهي
سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر.
وذكر
الله بهذه الكلمات منه ما
هو واجب كالتسبيح في الركوع والسجود
وتكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال،
ومنه
ما هو تطوع كالتسبيح والتحميد والتكبير
أدبار الصلوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق